Sunday, December 23, 2007

السكن في منزل حيادي

عن موقع http://www.magazine-deutschland.de

بقلم دوريت أميلانغ
عندما تؤدي حرارة الجسم إلى تدفئة الغرف: إمكانية المباني الحديثة على توفير الطاقة تبدو للوهلة الأولى ضربا من الخيال. ولكن في الواقع فإن الحياة بدون تقنيات وتمديدات التدفئة المركزية قد غدت بالنسبة لكثير من الألمان أمرا حقيقيا، أيضا بالنسبة لأسرة رادونس التي تسكن منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2005 في منزل حيادي. زيارة عائلية إلى بيت هذه الأسرة.


"لن ينجح الأمر. قوموا على أية حال ببناء مدخنة، فقط من باب الاحتياط ". نصيحة الجيران لأسرة رادونس، حتى في حضور مهندس البناء راينر فيلدمان، الذي لم يتأثر بمثل هذه التعليقات والنصائح: "أقوم منذ أكثر من 20 سنة ببناء منازل فعالة من حيث الطاقة وقد اعتدت سماع مثل هذه التعليقات". أسرة رادونس تثق به ولذلك لم تستمع لهذه النصائح ذات النوايا الطيبة، ولم تتأثر بها. البناء الحيادي الذي يوفر الطاقة، والمزود بعزل هوائي حراري كان هدفهم. تقنية حديثة متطورة بدون مدخنة، وبطراز حديث جميل. ولم يكن مفترضا في البناء أن يوفر كثيرا في استهلاك الطاقة فحسب، ولكن أيضا أن يكون مريحا ممتعا. ومنذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2005 تسكن العائلة المؤلفة من أربعة أشخاص في منزلها الحلم. ففي روسينغ، في ولاية نيدرزاكسن (سكسونيا السفلى) ينتصب البيت اليوم وسط مجموعة من البيوت الجميلة. ولا يختلف منزلهم الحيادي كثيرا في الشكل الخارجي عن المنازل المحيطة والمجاورة، باستثناء تجهيزات خلايا الطاقة الضوئية الحرارية على سطح البناء.

إنه شهر نيسان/أبريل، وعبر النوافذ العالية حتى السقف تسطع شمس جميلة دافئة على مائدة الطعام. البنت كيا، 10 سنوات، تتناول قطعة من بفانكوخن (بيتزا رقيقة). بينما تقوم أمها برعاية أختها يلفا بنت السنتين. الهواء جميل منعش في الطابق الأرضي، ورائحة الطهي تلاشت منذ فترة. ولا يلحظ الزائر للوهلة الأولى عدم وجود أية تمديدات للتدفئة المركزية، بل إنه يتنبه لذلك بعد نظر وتمحيص وتأمل. الطابق الأرضي الواسع يتيح مكانا كافيا للطبخ واللعب والطعام والجلوس. تنفق أسرة رادونس "فقط" اثنين يورو شهريا على التدفئة والماء الساخن. منزل بيات دودك رادونس وزوجته فراوكة لا يستهلك سنويا أكثر من 15 كيلوواط ساعي من طاقة التدفئة لكل متر مربع. وهذا ما يعادل سنويا 1,5 لتر من زيت التدفئة فقط. ولمساحة 230 مترا مربعا يعني الأمر استهلاك 345 لترا في السنة. "إنها أرقام صعبة المنال جدا في علم البناء ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الجمع بين تقنيات متطورة ومقدرة علمية ومهنية متميزة"، حسب راينر فيلدمان.

مواد محافظة على البيئة إلى جانب أحدث التقنيات
على العكس من البيوت التقليدية فإن البيت الحيادي محاط بطبقة من المواد العازلة للهواء تماما. ومن خلال هذه الطبقة لا يمكن خروج أي نوع من الدفء والحرارة (وبالتالي الطاقة) إلى الخارج. أسرة راندوس اختارت مادة السيليلوز التي لا تشكل أي عبء على البيئة، لتكون مادة هذه الطبقة العازلة حراريا. وهكذا تقوم طبقة بسماكة 24 سم بعزل المنزل حراريا، وتمنع أي تسرب أو خسارة للحرارة أو الطاقة. وتتمتع النوافذ أيضا بالتقنية العالية، فهي مؤلفة من ثلاث طبقات يفصل بينها غاز خامل، وهي تسمح بمرور أشعة الشمس بشكل مثالي، كما تضمن عزلا ممتازا. ويعرف المهندس فيلدمان بأن "النوافذ من أهم عناصر البناء الحافظ للحرارة والموفر للطاقة، ويحتل المنتجون الألمان مركزا رياديا على المستوى العالمي في هذا المجال".
يستخدم البيت الحيادي دفء أشعة الشمس والحرارة المنبعثة من أجساد سكانه ومن الأدوات الكهربائية المختلفة، لكي يحافظ على درجة حرارة داخلية مستقرة للمكان بمقدار 17 إلى 18 درجة مئوية. ولم تكن هذه الحرارة كافية بالنسبة للأسرة. وتوضح فراوكة رادونس الأمر: "كنا نرغب في جو أكثر راحة، لذلك قررنا الاستفادة من تدفئة إضافية". مضخة حرارية مع جهاز تسخين ماء مركبة في حمام الغسيل وتقوم بالتدفئة الإضافية في فصل الشتاء باستخدام الحرارة الأرضية. وهي تؤمن بالإضافة إلى ذلك الماء الساخن من أجل الاستحمام والغسيل على مدار السنة. ومن أجل الشعور بالدفء والراحة حتى خلال أيام الشتاء القارص، قام مهندس البناء بتبني طريقة تدفئة الأرضية (تدفئة مركزية تحت أرضية الغرف) بشكل شاقولي. حيث قام بتمديد أنابيب عبر الجدران (بدلا من تحت الأرض) يندفع عبرها الهواء الساخن ويعمل على تدفئة المنزل. ويتذكر بيات دودك رادونس "في شتاء 2005 الشديد البرودة كان البيت بالنسبة لنا دافئا جدا، إلى درجة أننا اضطررنا إلى تعديل سريان التدفئة في مجمل البيت". في هذه السنة انتهت فترة التدفئة في شهر آذار/مارس، بسبب الجو الدافئ نسبيا.

ويتم توزيع هذه الطاقة في مختلف أرجاء المنزل من خلال نظام مدروس للتهوية، يعرف بنظام التهوية المتحكم به. حيث تتم استعادة حوالي 80% من حرارة الهواء المنبعث إلى الخارج، ويعاد استخدامها في تدفئة الهواء النقي الداخل. وتزود كل غرفة بصمام تهوية ينظم حركة الهواء الداخل، بينما يزود كل من المطبخ والحمام بصمامات تنظم حركة الهواء الخارج. "نتنفس الهواء المنعش في الربيع، ولكن أيضا رائحة الطبخ القادمة من الجيران"، يعلق بيات دودك رادونس، ويضيف: "ولكننا لا نشعر بحركة تيارات الهواء في داخل المنزل". لا وجود للجدران أو الأرضية الباردة، وإنما للهواء البارد والنقي والمناخ الصحي، حتى رغم النوافذ المغلقة. وقد تبنت عائلة رادونس أيضا شيئا أسلوبا من أجل الطاقة الكهربائية. فعلى الجانب الجنوبي من سطح البيت قاموا بتركيب تجهيزات خلايا الطاقة الضوئية. بيات دودك رادونس يتحدث عن الميزات والتوفير: "نحصل على 400 يورو كتعويض عن استخدام الكهرباء من تجهيزات الطاقة الشمسية، ونستهلك كمية من الكهرباء بذات المقدار تقريبا". أيضا فيما يتعلق بتكاليف العزل وتقنيات الطاقة المرتفعة التكاليف يتحقق التوفير: حيث تزيد تكلفة البناء الحيادي بمقدار 13% عن تكلفة بناء تقليدي عادي مشابه. ولكنه استثمار يؤتي ثماره. فحسب تجهيزات البناء وأنواع المواد، يمكن تحقيق توفير في نفقات الطاقة يعادل ذات المقدار خلال فترة تتراوح بين سبع سنوات و اثنتي عشرة سنة. أسرة رادونس تشعر على أية حال بالسعادة في بيتها وبيئته المتميزة: "بشكل عام لم تكن التكاليف كبيرة جدا، كل هذه التقنيات الحديثة والغرف الواسعة وحتى شكل واجهات البناء"، تتحدث فراوكة رادونس مشيرة إلى خشب التصميم الداخلي الذي يغلب عليه اللون الأحمر بسبب الإضاءة. ففي موضوع واحد كانت الأسرة أبعد ما تكون عن التوفير في التكاليف: في مجال الراحة. وهكذا فإن البيت عندهم مريحا حتى في الشتاء، وذلك رغم عدم وجود مدخنة.


أهم مكونات البناء الحيادي

1- زجاج ثلاثي
يحاول مهندسو الأبنية الحيادية السماح بدخول أكبر كمية ممكنة من أشعة الشمس. ولهذا فإن الأبنية غالبا ما تكون مبنية لجهة الجنوب. وبالإضافة إلى ذلك تكون النوافذ كبيرة قدر الإمكان. ويؤمن الزجاج العازل الثلاثي الطبقات عدم خروج الحرارة المتكونة في الداخل إلى خارج البناء.

2- التهوية
القلب النابض للبناء الحيادي هو نظام التهوية التلقائية. فهو يعمل على استخلاص الحرارة من الهواء الفاسد الخارج من المبنى ويستخدمها في تدفئة الهواء النقي الداخل إلى البناء. ولأيام الشتاء الباردة يقوم معدل حراري بتوفير الحرارة التي يختزنها، حيث يقوم بتدفئة الهواء النقي القادم من الخارج إلى درجة حرارة 5 مئوية، قبل دخوله البناء.

3- العزل
تحقق المباني الحيادية أرقاما قياسية توفير الطاقة، فقط بفضل عزل حراري ممتاز. ويقوم غلاف تتراوح سماكته من 24 إلى 40 سنتيمترا ويتألف من مواد عازلة بالحيلولة دون تسرب وخسارة أية حرارة أو طاقة عن طريق الجدران الخارجية أو الأرضية أو سطح البناء.

4- توليد الطاقة
تعتمد المباني الحيادية في توليد الطاقة على مصادر الطاقة المتجددة. حيث يتم توليد الكهرباء بواسطة تجهيزات الطاقة الضوئية المثبتة فوق سطح البناء. والطاقة الإضافية اللازمة للتدفئة هي أمر نادر الضرورة. أما مصادرها في حال الحاجة إليها فعلا، فهي تجهيزات الطاقة الشمسية أو أفران كريات الخشب أو مسابر حرارة جوف الأرض التي لا تسبب أي ضرر للبيئة.


جواز الطاقة

فعالية استخدام الطاقة في المباني ستزداد أهمية في المستقبل. واعتبارا من العام القادم سيتم في ألمانيا منح "جوازات طاقة" (أو هوية شخصية للطاقة) للمباني بشكل تدريجي. عندها يحصل المشتري والمستأجر على إثبات خطي رسمي عن مدى اقتصادية أو تبذير وبالتالي فعالية الشقة أو البيت من حيث استهلاك الطاقة. وعلى ضوء الأرقام المثبتة في الجواز، يقدم هذا الجواز أيضا نصائح لتحديث البناء


تتمتع المباني الحيادية الألمانية بنوعية متميزة على المستوى العالمي
حوالي 6000 بيت حيادي تم حتى الآن بناؤها في ألمانيا والنمسا وسويسرا وإيطاليا. وكانت أوائل البيوت الحيادية التي بنيت على هذا الطراز قد أقيمت في مدينة دارمشتات كمنازل مستقلة. المجموعة الأخرى من المباني الحيادية والمؤلفة من مباني متعددة الطبقات أقيمت لاحقا في فرايبورغ وهانوفر وشتوتغارت، وذلك قبل أن يقوم مشروع أوروبي ببناء بيوت من هذا النوع: ففي إطار CEPHEUS (تكلفة فعالة للبيت الحيادي كمعيار أوروبي) تم تشييد 221 بناء حياديا في ألمانيا والسويد وفرنسا والنمسا وسويسرا تحت رقابة علمية. ويعادل المتوسط السنوي لحاجتها من الطاقة 15 كيلوواط ساعي لكل متر مربع، وهو يعتبر المعيار السنوي العالمي اليوم للبيوت الحيادية. ولكن ليس فقط من خلال تشييد البناء الحيادي يمكن المساهمة في حماية البيئة والمناخ. فمن خلال استخدام العديد من مواد البناء وتقنيات الطاقة يمكن أيضا تحويل المنازل التقليدية العادية إلى بيوت حيادية تعادل في مواصفاتها معايير البيوت الحيادية. ومن هذه الوسائل الطريقة البديلة المتمثلة في استخدام كريات الخشب لتوليد الحرارة، واستخدام حرارة جوف الأرض، وإعادة كسب الحرارة المتولدة والاستفادة منها. وتقوم تجهيزات الطاقة الشمسية بتوفير الماء الساخن، كما تؤمن تجهيزات الطاقة الضوئية الكهرباء. ويعمل نظام التهوية المدروس بعناية والمزود بفلتر (منقي) على تأمين المناخ الجميل المناسب والهواء المنعش.